إذا كان الشباب هو الرأسمال والعتاد والثروة التي لا تقدر بثمن والتي يتعين على الجميع العمل على الحفاظ عليها وتنميها وتوجهها نحو ما تصبو إليه من التقدم والرقي .فإن شباب دمنات /عاصمة التهميش ،يعتبر الشريحة الأكثر تهميشا ونسيانا ، فهذه الفئة والتي تمثل نسبة كبيرة من ساكنة دمنات سقطت في مطب الإدمان والفراغ الناتج عن افتقار دمنات للمرافق الرياضية و الثقافية بسبب لا مبالاة المسؤولين و منتخبي المنطقة على حد سواء . فالرياضة عندهم شيء ثانوي مقارنة مع الاستثمار في العقار والاسمنت المسلح رغم وجود فئة قليلة من الغيورين يعتصر قلبها وتحترق أعصابها بسبب غياب أي مؤشر إيجابي على تطويرها. فرغم أن دمنات مشهورة منذ عقود بولعها بالرياضة وعلى رأسها كرة القدم وسجل فريقها عبر الاجيال صولات وجولات في عدة ميادين وخصوصا أثناء النزالات القوية التي كانت تجري بين فريق دمنات والفرق القوية بكل من مراكش مع فرق عريقة أمثال "لا صام" و"المولودية " والنهضة والنجم و TP ومع فرق قلعة السراغنة وبنكرير وأيت أورير وورزازات وكانت دمنات تواجههم مواجهة الند للند رغم قلة الإمكانات المادية . واسمحوا لي ان افتح قوسا هنا لاذكر بعض شباينا بأن دمنات كانت تنازل فريق الكوكب المراكشي وفريق الجيش الملكي أيام المرحوم "الحاج العربي مزكور" والمرحوم "مرهجا " الذي كان مضرب الأمثال في حراسة المرمى والمرحوم "العموش " والمرحوم احميدة بن الحاج عمر والمرحوم عمر نالباتول والمرحوم مولاي عبد الله الحيحي وأخرون لا اعرف هل احياء ام التحقوا بالرفيق الاعلى واخص بالذكر: بسا bssa وفرويس farwess و ولد سلام... وغيرهم كثير .
إن مناسبة هذا الحديث هو إطلاعي من خلال النشرة الرئيسية للقناة الأولى المغربية على تحقيق حول الملعب البلدي المعشوشب للعطاوية ، نعم العطاوية ( خميس بويا أحمد) التي أصبحت تتوفر على فضاء لائق للتدريب وفضاءات لممارسة رياضات أخرى ومؤطرين يسهرون على تلقين أبجديات كرة القدم للبراعم والصغار و إعداد الكبار ، والتي يرجع الفضل فيها للمنتخبين والمسيرين الذين يدبرون الشأن العام ويستجيبون لتطلعات و حاجيات سكان هذه المدينة الصاعدة والذين يستحقون كل تقدير واحترام ، وليس كما هو شأن بعضهم في دمنات حيث الجري خلف الأطماع السياسوية والأغراض الانتخابية الضيقة .
ربما لن يحتاج المرء إلى زيارة متكررة لدمنات ليكتشف الوضعية الكارثية التي أضحى عليها الملعب الوحيد الموجود بتيزغت فما إن تلقي نظرة عليه وأنت على مشارف بابه الرئيسي حتى تشفق لحاله الرديء، بدءا بأرضيته المتربة، التي تتحول إلى حقل محروث عند كل تساقطات مطرية ، وانتهاء بالحفر و الأخاديد التي تتخلله طولا وعرضا ، وما أن تطأه قدماك ، حتى يتضح لك جليا، غياب أي اهتمام بالرياضة .
وفي ظل افتقار المدينة لأماكن بديلة تمكن الشباب من إجراء مبارياتهم و إفراغ طاقاتهم وصقل مواهبهم الكروية فإنهم يلتجؤون إلى ملعب دار الشباب الصغير الذي لا يستوعب هذه الإعداد الهائلة من الشباب التواقة ، هذا علما انه ولا حي واحد يتوفر على فضاءات مناسبة لممارسة أي نشاط رياضي ، فأينما وجدت ساحة مساحة صالحة زحف عليها الإسمنت وتكالب عليها السماسرة وحولوها إلى تجزئات سكنية. وفي العطلة الصيفية أو في العطل المدرسية البينية وبسبب غياب ملاعب القرب يحول الأطفال والشباب من مختلف الفئات والأعمار أزقة ومدارات الطرق المعبدة ليلا ونهارا مرتعا لممارسة لعبتهم المفضلة باعتبارها ملاذهم الوحيد للترويح عن النفس وللهروب من واقع معيشي كئيب .فيما ينضم البعض منهم الى قاعات الألعاب :أوكار الحشيش والمعجون والكالة... وما إلى ذلك مما استحيي من ذكره في هذا المقام .
لقد مل الشباب الدمناتي التهميش والتسلط والعنف الذي يمارس عليه في كل شيء، فهيأت المجتمع المدني من جمعيات وأحزاب سياسية ونقابات لا توجهه ولا تؤطره فكرياً وتربوياً،والدولة لا تقدم له الخدمات التي تستجيب لحاجياته وبالأحرى لطموحاته المتنوعة والقرارات المتخذة لا تهم مصيره فيظل حبيس دائرة الحرمان.
كما نتج عن التقصير و الانعدام الكلي للهياكل الرياضية والمرافق الثقافية والاجتماعية، خاصة خلال العطل التي يكون فيها الشباب والمراهقون عرضة للانحراف والآفات الاجتماعية وعدم احتواء مشاكله،ومساعدته على تنمية قدراته خصوصا في المجال الرياضي إحساس الشباب بعدم الانتماء إلى المجتمع وبعدم أهميته داخل النسيج الاجتماعي ، ونمى داخله الشعور بأنه عنصر غير مرغوب فيه ، وتجليات ذلك في الواقع الدمناتي كثيرة .
إن الحل يكمن في إيلاء الشباب ما يستحق من الاهتمام والعناية، و الاستماع إلى همومه ومشاكله،والإصغاء إلى اقتراحاته وأفكاره،والتخلي عن هواجس الخوف منه، ورد الاعتبار له والتكفل به والاهتمام بانشغالاته وذلك بانجاز مرافق رياضية وثقافية وترفيهية، ومراكز للتأطير والحماية من الانحراف ، قصد انتشاله من شبح البطالة وتحطيم الروتين الممل والفراغ القاتل الذي يعيشه يوميا .
يتجلى من خلال هذا العرض المختصر مقدار التهميش والتجاهل اللذان يصيبان أعدادا متزايدة من الشباب في منطقة دمنات التي تعاني بدورها عزلة وتهميشا تاريخيين، و تعيش حاليا إحدى أصعب مراحل تاريخها الرياضي ، حيت يمكن وصف الحالة الراهنة بالكارثية في ظل وجود ملعبين فقط لا غير :ملعب بلدي لا يستحق هذه التسمية وسيصبح قريبا مطمح بعض «لوبيات» العقار، لموقعه الإستراتيجي الهام، في ظل غياب سياسة رياضة، واهتمام بعض المنتخبين بتنمية ثرواتهم وملعب دار الشباب الصغير الذي يتقاسم اللعب فيه الصغار والفتيان و فرق الأحياء والدواوير المجاورة وغير هاذين المرفقين اليتيمين لا وجود لأي فضاء آخر من شأنه احتضان شباب المدينة، أضف إلى هذه المعضلة معضلة الاعتمادات المرصودة لفريق دمنات لكرة القدم والتي لا تتعدى 20 مليون سنتيم سنويا فهل بربكم هذا المبلغ كفيل بالنهوض بهذه اللعبة أين هي أجرة المدرب ؟ أين الحوافز؟ أين أجرة بعض اللاعبين العاطلين عن العمل؟ أين هي مصاريف التغذية ؟ والتنقل؟ وما إلى ذلك ؟؟؟؟ هذا مع العلم أن ملعب العطاوية كلف 160 مليون سنتيم فيما بلغت تكلفة مدرجاته 50 مليون سنتيم !!!
فهل يا ترى سبب التهميش هو غياب إرادة حقيقية لدى المجالس المنتخبة و الجهات المعنية ؟ أم هي لعنة الاقصاء و الخصاص التي تلاحق المدينة في كل الجوانب ؟
متى ستفكر الجهات المسؤولة في برمجة مشاريع رياضية وترفيهية وثقافية، بحكم دورها الفاعل والبارز في تأطير الشباب وانعكاسه على الدور التنموي بمفهومه الشامل؟
موضوع: دمنات: أوار نار التهميش تطال شباب المنطقة 
الجمعة أكتوبر 02, 2020 11:38 am
