نصر الله البوعيشي
تعتبر مدينة دمنات من بين المدن التاريخية العتيقة على صعيد المغرب ، مر على تاسيسها عدة قرون تشهد على ذلك المعالم التاريخية القديمة التي ما تزال تشع بتلك اللمسة التاريخية الرائعة التي تؤرخ لازدهارها ومكانتها الاقتصادية والسياسية في القرون الماضية .
ويلفت انتباهك ايها الزائر عند دخولك " دمنات " تلك الأسوار التاريخية الشامخة التي تعود بك إلى حقبة زمنية مهمة عايشتها المدينة وميزتها عن غيرها من التجمعات السكنية بالاقليم والجهة والتي يمكن ان تستحضر من خلالها ايها الزائر الكريم تاريخ المدينة بشخصياته وأحداثه .
تعتبر أسوار دمنات نموذجا للتنوع الثقافي المغربي ورمزا يعبر عن الأصالة المغربية الدمناتية الامازيغية العربية واليهودية فهذه الاسوار المنيعة لم تكن تحمي فقط ارواح المسلمين وممتلكاتهم بل وارواح وممتلكات اليهود أيضا الذين عاشوا في بحبوحةعيش وأمان بين احضانها إلى ان غادروها تحت تأثير الدعاية الصهيونية .
و مع الاسف الشديد ورغم هذا التاريخ الغني و التليد ، فإن السلطات بما فيها وزارتي الثقافة والسياحة لم تقم بواجب إعادة ترميم هذا التراث المادي الشامخ الضارب في عمق التاريخ و حفظه من الاندثار بل تقف متفرجة على تدهوره واندثاره يوما بعد يوم بفعل العوامل الطبيعية والتدخل البشري الجائر والسافر رغم انه مسجل لديها تراثا وطنيا منذ اربعينيات القرن الماضي ( الجريدة الرسمية عدد 1554 بتاريخ 7 غشت 1942 الصفحة -1069-1070 الى جانب تقييد امي نيفري في جملة المناظر الجميلة ودخوله تحت حرمات الصيانة المبدئية ( الجريدة لرسمية عدد1903بتاريخ 15 ابريل 1949 الصفحة 594 )
لازالت بقايا السور شاهدة على ما عرفته هذه المدينة من ازدهار اقتصادي وعمراني من جهة ومن أحداث سياسية ومن صراع سكانها مع القبائل المجاورة سواء على الحكم او على الموارد المعيشية خصوصا في فترات السيبة و الجفاف والأوبئة من جهة اخرى.
بقايا السور و اثار ابواب المدينة المحصنة دليل على مكانتها كمركز وممر تجاري وعلى موقعها الاستراتيجي بالنسبة للمخزن و كأخر حصونه في جبال الأطلس الكبير الأوسط لبسط نفوذه على المناطق الممتدة الى حدود الصحراء وعلى القبائل المتمردة
و يبقى السور بما تبقى منه من ابواب وابراج دليلا كذلك على عظمة الانسان الدمناتي ومكانته وثرائه ، و بغض النظر عمن أمر ببناء السور وفي الفترة التي بني فيها فانه يبقى رمزا من رموز شموخ وازدهار هذه المدينة .
هناك رواية تقول ان سيدي محمد بن عبد الرحمان السلطان العلوي الذي حكم المغرب ما بين ( 1859-1873م هو من امر القائد علي اوحدو الذي كان قائدا على دمنات في القترة ( 1848-1875 ) ببناء سور لمجموع دمنات بعد ان كان الموحدون قد قاموا ببناء سور القصبة مقر القائد .
وهناك من يرجع بناء السور الى القائد العسكري المسلم موسى بن نصير مبعوث عبد المالك بن مروان الى المغرب الاقصى ، وربما هذا ما جعل بعض كتب التاريخ تشير الى هذا السور باسم "سور موسى" ، هذا علما بأن مولد موسى بن نُصير كان قد حكم سنة 19هـ/640م ووفاته سنة 98 /728 م فكان عمره تسعاً وسبعين سنة وفي سنة 88/ 710م عين وليا على أفريقية فأقام عليها أميراً وعلى الأندلس والمغرب كله نحو ثمان عشر سنة . واذا كان هذا المعطى صحيحا فان بناء دمنات أقدم من مراكش التي بنيت سنة 292 ه ومن فاس التي بنيت سنة 162 ه.
وهناك رأي أخر يقول بان من بنى السور هم قبائل افريقية والمقصود بهم حسب مارمول كاربخال "أمراء فطواكة " ،وهم من الهساكرة الذين استقروا في المنطقة منذ القدم . ولا يستبعد ان يكون موسى هذا اسم لواحد من الامراء بناة السور .
- ترك السور انطباعا جيدا عند المستكشفين الذي زاروا دمنات ، ومنهم من وثق ذلك بالكلمة ومنهم من وثقه بالصورة أو الريشة زنذكر من هؤلاء المستطشفين على سبيل المثال الحصر :
- شارل دوفوكو Charles de Foucauld في كتابه ''التعرف على المغرب ''RECONNAISSANCE AU MAROC ''
- مارمول كاربخال Luis del Mármol Carvajal في كتابه "افريقيا " ''L'AFRIQUE DE MARMOL''
- حسن الوزان المعروف بليون الافريقي leon l’africain DIT El-Hasan el-Wazzâan في كتابه '' وصف افريقيا' DESCRIPTION DE L'AFRIQUE'-
VOYAGE AU MAROC في كتابه ''رحلة الى المغرب ' EDMOND-MARIE-RENE DE SEGONZAC وادموند ماري روني دوسيكونزاك-
- اميليان جان غونو EMILIEN JEAN RENOU في كتابه L' EMPIRE DE MAROC
- روني أولوج RENE EULOGE + في كتابه’« ''أولائك القاطنون بالأودية العليا ''. CEUX DES HAUTES VALLEES
- تيوفيل جان دولاي Théophile Delaye -Jean رسام ILLUSTRATEUR في كتاب مشترك مع :
- جاك دو فيلز de Felze Jacques Jean في كتابهما L'ATLAS DE DEMNATE
'' CARNET DE ROUTE '' في كتابه " دفاتر الطريق "PAUL CHATINIERES - بول شاتينيي ( طبيب )
كانت دمنات المنيعة بسورها وأبراجها مدينة منفتحة ومتسامحة عبر تاريخها، يعيش وراء سورها العظيم الكثير من الطوائف والديانات، فقد ساهم موقعها على طريق القوافل الصحراوية في انفتاحها على عوالم مختلفة وأجناس عدة ، ومن بين سكان المدينة الأصليين عدد كبير من اليهود المغاربة استمروا في عيش حياتهم اليومية والدينية بشكل عادي، بل كان من بينهم من تقلد مناصب رسمية هامة ، دون أن ننسى أن دمنات كانت ارضا للزوايا بمختلف فرقها بل والنادرة والمتفردة منها ، هذه الزوايا تركت اثرها في السواد الأعظم من السكان وامتد تأثيرها وإشعاعها إلى باقي المناطق المحيطة بها ،
هذا من الماضي المجيد لهذه المدينة ، فماذا عن حاضرها ؟ ماذا عن هذه الذاكرة التاريخية لمدينة دمنات ؟ ما مصير هذا المخزون التراثي الذي يؤرخ بمداد من الفخر لحضارة هذه المدينة ؟ . هل يجوز لنا القول بأن ذاكرة هذه المدينة محفوظة ؟ هل الاسوار في وضعية صحية ؟، هل القائمون على الشان المحلي والوزارات الوصية ادارت ظهرها حقا لهذا التراث التاريخي ؟، هل هناك فعلا رؤية واضحة تهتم بالترميم الجيد لهذا السور ؟
هل تمتلك الجماعة ضمن مقاصد مخططها الاستراتجي تحويل مدينة دمنات الى وجهة سياحية بدل اعتبارها محطة عبور فقط . ؟ إن واقع دمنات البئيس وخصوصا في جانبه المتعلق بوضعية التراث العمراني كموروث ثقافي إنساني بالمدينة تسائل الجميع :
- الدولة في شخص وزارتي الثقافة والسياحة تتحمل المسؤولية الأولى في حفظ ذاكرة تراث دمنات التاريخي .
- المجالس الجماعية المتعاقبة على تدبير الشأن المحلي بدمنات ، مسؤولة مسؤولية مباشرة حول ما تتعرض له الاسوار من اضرار بسبب عوامل الهدم الطبيعية والبشرية . وسكوتها بل ومباركتها للتهالك والتدرج نحو الاندثار الذي اصبح السمة الكبرى التي تلحق التراث التاريخي لدمنات خصوصا غض الطرف على المتعطشين لامتلاك العقارات و للاغتناء السريع ولو على حسب اسوار تاريخية كانت الى الامس القريب واقفة بشموخ معتمدين على وثائق مشكوك في صدقيتها ومتحايلين ومستغلين لنفوذهم ولعضويتهم في بعض المجالس لاستصدار رخص البناء و الربط بالماء والكهرباء بوثائق وحجج واهية تستوجب البحث والتقصي والمحاسبة أمام القضاء ( ولنا عودة الى هذا المموضوع بعد استكمال عناصره ، وانا أدعو من هذه المنبر أبناء دمنات الغيورين البررة الى تكوين جبهة لإعداد ملف هدم سور دمنات وتحويله الى عقارات تدر الأموال الطائية على اصحابها والمطالبة باجراء بحث حول التعدي على اثار دمنات المعتبرة تراثا وطنيا بقوة القانون وتقديم المتورطين للعدالة لتقول كلمتها فيهم على غرار ما وقع بمدينة آسفي...)
- الجهات المكلفة بتمويل ومراقبة ترميم الاسوار ، إذ أن اعمال الصيانة التي بوشرت على جزء من السور منذ وقت ليس بالبعيد والتي صرفت عليها اموال طائلة لم تستطع الحد من تدهوه لانها لم تكن ناجعة : إما لانها لم تتم وفق مقنضيات ترميم الآثار أو أن الميزانية المرصودة لم تكن كافية أو أن أيادي النهب والغش امتدت اليها على غرار المشاريع المبرمجة بهذه المدنية المنسية والتي يشتكي السكان من رداءتها .
الجميع واقف يتفرج على الأسوار والابواب بدمنات وهب تتهاوى تباعا وما تبقى منها آيل للسقوط ، وخوفي التام ان تحصد بعض الارواح ( سور طريق افشتالن المقابل لمقبرة " إلكوزن" على سبيل المثال لا الحصر ). انها المعالم التاريخية الخالدة لدمنات التي تتطلب من المجلس الجماعي خلق لجنة استعجالية تطوف على شمولية خارطة هذه المآثر التاريخية للمتابعة والمعاينة والوقوف على سوء مآلها والاخطار التي يمكن ان تشكلها ، تقف على كل المساويء التي تلحقها بالتآكل وتحدد اولويات التدخل المستعجل . في الحقيقة فان الوضع واضح للعيان ولا يحتاج الا الى الجرأة في اتخاذ المبادرة والترافع لدى الجهات المختصة ، وأظن واتمنى ان اكون مخطئا ان جميع المسؤوولين- اذا كان هناك فعلا من يمكن ان نطلق عليهم هذه الصفة- ينتظرون سقوط هذه الاسوار والابواب للتخلص وتقديمها على طبق من ذهب لتتحول الى مستودعات وعمارات بعد إعداد الوثائق المطلوبة لذلك و هذا ليس بالآمر العسير على اولائك الذين الفوا بناء مجدهم عبى انقاض مجد بناه الشرفاء بدمائهم وعرق جبينهم .
باب افشتالن ، ووضعية الأسوار المحيطة بحي تخناشت ، وتربجت بحي القصبة السائرة نحو الزوال عن سبق اصرار وترصد لتحويلها الى مباني على غرار سورها الامتدادي شمالا وجنوبا ، ووضعية سور الملاح ، والبقية تكمن في جل امتدادات السور ودار مولاي هشام فحدث و لا حرج.
هي أجزاء من ذاكرة التراث الماضي لدمنات أصبحت في الحاضر تشكل خطرا محدقا على الساكنة. خطر إن لم يتم التدخل العاجل لحمايتها وترميمها بجودة عالية. هي دمنات التي ممكن أن تفقد حتى شموخ أسوارها بالتهاوي المتتالي.
احترافية تكشف عن فريق عمل متخصص في معالجة المآثر التاريخية بالحفظ و الصيانة مع الإبقاء على اللمسة التاريخية والذاكرة الرمزية لكل جزء من الموروث المعماري للضريح.
من هنا نعلن أن مكناس تدير ظهرها لمعالمها التاريخية ولا تستفيد البتة من تنوع منتجوها الأثري و البيئي، من هنا نعلن أن المدينة القديمة بمكناس تجدد جلدها بالآجور الأحمر و تفقد مرجعيتها التاريخية ، من هنا نقول بأن مكناس تضيع علامتها الحصرية كوجهة سياحية جاذبة مثل ما ضيعت ريادة الجهة.
أزيــلال
• مختلف المباني التاريخية والمواقع (رباط تيط، قصبة الصويرة القديمة، أسوار دمنات، خوانق
دادس، وادي مكون وتودغة، مرتفع بوكافر،( قرار وزيري بتاريخ 03 يونيو 1942، 15 يونيو 1942،
17 يونيو 1942، 20 يونيو 1942، 40 يوليوز 1942، يقضي بإجراء أبحاث للترتيب) (ج . ر، رقم
1554 في 07 غشت 1942).
موضوع: أسوار دمنات بين مجد الأمراء ....وذل السفهاء . 
الجمعة أكتوبر 02, 2020 11:48 am
